الإنسان والبيئة

البيئة هي كل ما يحيط بنا من عناصر طبيعية كالهواء و الماء و التربة والنبات. هي ظواهر حية عقدت فيما بينها علاقات قوية تقوم على التفاعل المستمر مع بعضها البعض من جهة ومع الظروف الطبيعية التي تحف بها من جهة أخرى. و الجدير بالذكر أن هذه العناصر تنضوي جميعا ضمن دورة حياتية وطبيعية شديدة التوازن و قادرة في هذا السياق على حماية هذه التوازن ضد كل التغيرات التي يمكن أن تخل به. ورغم هذا التوازن فإن هناك مصادر اليوم صارت تهدد البيئة تهديدا عجزت الطبيعة بكل عناصرها التصدي له ذاتيا مما استوجب تدخل الإنسان لمساعدتها على حفظ توازنها واستعادة نظامها الداخلي.

تعتبر الدول المصنعة من أهم المصادر التي تساهم في اختلال التوازن البيئي وذلك عن طريق الصناعة: فالصناعة لئن صارت اليوم ركيزة أساسية للحياة البشرية المتطوّرة لما يوفره من إنتاج يلبي حاجات الإنسان الحيوية و لما توفره من مواطن شغل فإنها كذلك من أخطر العوامل الملوّثة للبيئة, ويتمثل هذا الأذى للبيئة خاصة في استنزافها لموارد طبيعية لا تقبل التجدد من معادن ومصادر طاقة, وفيما تفرزه كذلك من فصلات ونفايات صار التخلص منها مشكلة المشاكل, فتعفن من جرائها الهواء و تلوّثت الأنهار والبحار وتسممت المياه الجوفية بما تم دفنه في الأرض منها, بالإضافة إلى ما تمثله بعض المنتجات ذاتها على البيئة من خطر مثل غازات مكافحة الحرائق وغازات التبريد وما أدى إليه تسربها في الهواء من تقلص طبقة الأزون واختلال سير المنظومةالمناخية مع اختراق لأشعة الشمس القاتلة ( الأشعة فوق البنفسجية) إلى الأرض و ارتفاع حرارة الأرض... ولعل ما زاد في ارتفاع حرارة الأرض واضطراب المناخ هو ارتفاع ثاني أكسيد الكربون وانخفاض الأكسجين بسبب تقلص المساحات الغابية تقلصا مذهولا وتراجع نسبة الأشجار بالعالم نظرا للإقبال المفرط على تصنيع الخشب واستهلاكه وهو ما أدى إلى انقراض العديد من الكائنات الحية.

كما لا يفوتنا في هذا السياق أن نشير إلى ما شهده العمل الفلاحي اليوم من تعصير للوسائل و المواد المدرة للإنتاج مما مكن من مضاعفة الإنتاج وفي الإيفاء بحاجة الإنسان المتزايدة للغذاء, ولكنه أخل بالبيئة باستعمال الآلات الملوّث و المعالجة بالمبيدات السامة بشكل غير محكم و الإفراط في استغلال الأسمدة الصناعية كل ذلك أدى إلى تسميم المياه الجوفية وأثر سلبا في مختلف الكائنات من حولنا مثل الكائنات التي تقوم بتلقيح النبات أو الكائنات التي تتولى دور التحليل التربة والمواد العضوية.

أما في الوسط البحري فإن استنباط طرق خطيرة ورهيبة في الصيد البحري إضافة إلى إلقاء النفايات الصناعية السامة أو المشعة في البحر من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على الثروة السمكية وانقراض الكائنات البحرية الأخرى التي تقدم نفعا لا غنى عنه كانقراض السلاحف البحرية والذي أدى إلى تضخم أعداد الهلاميات البحرية وهي كائنات حارقة وسامة.

لا بد من التوقف أيضا عند ظاهرة الحرب ودورها في إلحاق الضرر بالبيئة عن طريق تدمير الغابات والأبنية والمؤسسات الصناعية بواسطة الأسلحة الفتاكة والمدمرة, ولعل أشد فتكا السلاح النووي. إذن يقف العالم اليوم من جراء كل ذلك على حافة الهاوية, لذلك استوجب تضافر الجهود من أجل تحقيق محيط سليم و متوازن- رغم أن الاهتمام بالبيئة كان مقتصرا على العلماء والباحثين الذين أطلقوا صفارات الإنذار منذ بداية هذا القرن- فظهرت هيئات عديدة وجمعيات بيئية وطبيعية ومنظمات مثل منظمة السلام الأخضر, حملت هذه المنظمة على عاتقها مهمة التوعية البيئية والدفاع عن البيئة والبحث عن الحلول الناجعة لتحقيق ذلك:

   الدعوة إلى تآزر كل القوى لإقرار محيط سليم وآمن .

   دعم المحميات من أجل حماية الكائنات المهددة بالانقراض دعما ماديا .

   سن قوانين ردعية ضد المؤسسات الصناعية الملوّثة للبيئة.

   تشجيع الاستثمار في تحويل النفايات الصناعية الضارة إلى مواد نافعة وغير ملوّث.

   الاعتماد على مصادر طاقة نظيفة ولا تنتج عنها نفايات سامة مثل الطاقة الشمسية   وتربية الفرد منذ الصغر على حب محيطه والدفاع عنه وحمايته.

  أما على المستوى الوطني فقد حظيت البيئة بعدة امتيازات, فالدولة أولت اهتماما ما انفك ينمو يوما بعد يوما: فعملت على تشجير الأراضي القاحلة والمرتفعات لحماية الغابات والأراضي من التعرية والتصحر, كما انبعثت اللجنة القومية للمحيط ثم الوكالة الوطنية لحماية المحيط, وإلى جانب ذلك قامت الدولة بإجراءات عديدة لحماية البيئة كمقاومة التلوّث وصيانة الموارد الطبيعية من التلوّث أو التصحر أو التعرية أو الانقراض كل حسب نوع الخطورة البيئية التي تهددها, والمحافظة على ثرواتنا الحيوانية بإنشاء المحميات مثل محمية اشكل وحماية الثروة السمكية من التلوّث. كما عملت الدولة على تنمية رصيدنا الغابي وحماية الراضي الزراعية من التقدم العمراني العشوائي, كما وظفت الدولة المجال التربوي لخدمة البيئة فشجعت المؤسسات التربوية على توعية الناشئة منذ الصغر على حب محيطه فانبعثت النوادي البيئة في كل مؤسسة ثانوية, وتحظى هذه النوادي بإقبال كبير من لدن التلاميذ. كما تقرر إرساء سنن حميدة بين صفوف الشباب عامة والتلاميذ خاصة كالحملات التوعية في مجال النظافة والتشجير وصيانة الأبنية والمؤسسات, وقد تم تمكين تلك النوادي والجمعيات البيئية من الدعم المادي والمعنوي. كما عملت الدولة تحت إشراف سيادة الرئيس على إنشاء المنتزهات في كامل ربوع البلاد وخصص جوائز سنوية لأجمل المدن وأفضلها عناية بالبيئة مما جعل بلادنا تحظى في مجال العناية بالبيئة بتقدير كل الدول وبتشجيعها عن إحرازها على العديد من الجوائز العالمية.

تجدر الإشارة إلى أن حماية بيئتنا واجب وطني , فإلى جانب جهود الدولة ينبغي على الفرد عامة وعلى المتعلم خاصة أن يسعى قدر طاقته إلى حماية محيطه ورعاية بيئته وذلك بإتباع سلوك يراعي قواعد النظافة وصيانة البيئة وبالمحافظة على مكتسبات الوطن وممتلكات المجموعة من حدائق وأشجار وفوانيس , وأن يساهم ضمن النوادي البيئية والجمعيات التطوعية في نظافة مدينته أو مؤسسته كوضع الفاضلات في أكياس محفوظة ومعدة للغرض وإخراجها في مواعيد تتفق مع الخدمات البلدية والتعاون مع مجموعة على احترام قواعد النظافة فلا يكتب على الجدران ولا يعبث بالأشجار بل يعمل على تجميل مدينته , كما أن من واجبه أن ينخرط ضمن نوادي بيئية ويدعمها بحضوره وجهوده. إن الاهتمام بموضوع البيئة ضمان لموطن سليم آمن تحلو فيه الحياة ,وإن للحفاظ على الكائنات الحية من حولنا وحمايتها من الانقراض حفاظ للوجود البشري.

محمد مبروك