ما
هي الموسيقى، و لماذا تهزّ وجدان الإنسان؟ لقد عرف الإنسان الصّوت قبل أن
يعرف الكلام، كان يقرأ العالم من خلال الص
ّوت، يعرف متى يأتي الصّباح من غناء
الطـّير، و متى تهبّ العواصف من صوت الرّيح، و من أين يأتي الخطر؟ عندما
يسمع صوت الحيوانات المفترسة ، و عندما تطوّر الإنسان قليلا تعلـّم أن يأخذ
إيقاعات الكون و يطوّرها، و كانت أوّل أداة هي الطـّبلة الذي اخترعها من
جذوع الأشجار الفارغة، و تعوّد أن يدقّ عليها إيقاعات مختلفة، و كلّ واحدة
منها تعبّر عن حالته النـّفسية، هناك إيقاعات للفرح، و إيقاعات للحزن، بل
إنّه استخدم هذه الطّبول كوسيلة يرسل بها رسائل التّحذير إلى بقيّة النـّاس
الذين يجاورونه عندما يكون هناك خطر يهدّد الجميع، و أصبحت الموسيقى جزءا
من نسيج حياة الإنسان فهي وسيلة للتّعبير عن حالته قبل أن تعبّر عنها
الكلمات.
تطوّرت الآلات الموسيقية مع تطوّر
الحضارة و يمكن القول أنّ كلّ حضارة كان لها آلتها الموسيقية الخاصة
فالحضارة الفرعونية عرفت آلات النـّفخ و العديد من الآلات الوترية، و
الإغريقية عرفت القيثارة و العربية عرفت النّاي و القانون، و كلّ هذه
الآلات قد اجتمعت في ذلك " الأركسترا " الحافل الذي تراه وهو يعزف أمامنا
كلّ تلك الموسيقى العظيمة و التي نطلق عليها الموسيقى " الكلاسيكية "، و هي
بذلك تحمل كلّ تاريخ الإنسان، فكلّ آلة موسيقية لها حلاوتها، و كلّ صوت له
وقع في نقس الإنسان، و من هنا كان مزج هذه الآلات معا يثير في النّفس نشوة
غامرة، فتهدئ التوتـّر و تبعث في داخلنا العديد من الذّكريات و الصور
المختلفة، فالموسيقى تقوم على اللـّحن و الإيقاع، و هي تسعى لإثارة إحساس
بالنـّشاط و الحيوية.
|