حول تعلّميّة مواد التنشئة الاجتماعية بقلم : قيس القربي معلم أول محرز على شهادة المرحلة الأولى الأستاذية التاريخ والجغرافيا مدرسة البريج/ تاكلسة
التاريخ والجغرافيا مواد مدرسيّة تصنّفها البرامج الرسميّة ضمن مواد التنشئة الإجتماعية (أنظر البرامج الرسميّة للدرجة الثالثة من التعليم الأساسي ، الصادرة عن وزارة التربية والتكوين في سبتمبر 2004 ) فما المقصود بالتنشئة ؟ ما معنى التنشئة الإجتماعية :تعتبرالمؤسسة التربوية من وجهة نظر علم إجتماع التربية فضاء متميّزا يقضي داخله الشبّان مراحل هامة من حياتهم وتتدعّم خلال الفترة الدراسية بمخلف مراحلها شخصيّة الشاب إذ سيتمكّن من اكتساب معارف ومهارات وتصّورات إجتماعية نتيجة العلاقات التي يؤسسها مع الآخرين والانضباط لمجموع القيّم المشاعة داخل الفضاء المدرسي ، وهذا يطلق عليه عادة مفهوم التنشئة الإجتماعية باعتبار أن المدرسة ومختلف المؤسسات التربوية تلعب دور الوسيط بين الفرد والمجتمع فتنقل الثقافة السائدة من جيل الكبار الى جيل الذين لم ييلغوا بعد سنّ الرشد اعتمادا على مجموعة من الاهداف تتضمّنها محتويات البرامج الرسميّة ومختلف القوانين التي تفرض داخل الفضاء المدرسي والتي تشكل في النهاية جانبا من مفهوم الثقافة ، فالتنشئة الإجتماعية تعني إذن الإنتقال من حالة لا اجتماعية الى حالة إجتماعية ، وقد وقع تناول مفهوم التنشئة الإجتماعية في وجهتي نظر مختلفتين : وجهة نظر تعتبر التنشئة استبطانا للقيّم والنماذج الإجتماعية :المجتمع هو المحدد لما يفرضه على الفرد من ضغوط معيّنة وفي هذا السياق يؤكد عامل الإجتماع الفرنسي إيميل دوركايم (1858/1917) أن التنشئة الإجتماعية مرتبطة تاريخيا بالالزام وبالسلطة المفروض بالخارج والإمتثال الطبيعي للنماذج التي يوفرها المجتمع . وترتكز هذه النظرية على اعتبار أن شخصية الفرد هي نتاج للثقافة السائدة وللنماذج التي تتقاسمها الجماعة داخل المجتمع : ومن هنا يحي مفهوم التنشئة الى حصول عملية نقل تكاد تكون آلية وباتجاه واحد أي من الكبار الى الصغار ، وهو ما يعطي للتنشئة طابعا آليّا وعمودياّ فالفرد مجرد متقبل للنمط عيش الجماعة. وجهة نظر تمثل تطوّرا في مفهوم التنئشة : فتضع في صلب مسألة تنشئة الإجتماعية التفاعلات بين الأحداث والوقائع والمؤسات الإجتماعية من جهة والأفراد من جهة أخرى ، وهذه التفاعلات تكون في شكل تفاوض بين طرفين فالتنشئة ليست فقط عملية ضغط فوقية بل هي عملية مركبة ومعقدة لنشاطات مختلف الأطراف الاجتماعية وبتأثير كل طرف على الآخر يرى بياجي مثلا أن التنشئة عنصر أساسي في نمو الطفل وأن الانتقال من مرحلة الالزام والضغط الى مرحلة التعاون أي من مرحلة الامتثال الى النظام الإجتماعي الى الاستقلالية الذاتية يمثّل نقظة أساسية في فهم عمليّة التنشئة .فخلاف الـدروكايم يضع بياجي قطعية بين علاقات الضغط والالزام المبنية على روابط السلطة وعلاقة التعاون المبنية على الاحترام المتبادل وحريّة الفعل والإنتقال من الصنف الأوّل الى الصنف الثاني يمثلّل حسب بياجي نتيجة مزدوجة للنّمو الذهني والنّمو الأخلاقي يسمحان ببناء علاقات اجتماعية جديدة وإرادية . وبعد محاولة تعريف التّنشئة الإجتماعية تجدر الملاحظة إلى أنّ تعلميات المواد المدرسية ومنها التاريخ والجغرافيا تطرح عديد الإشكاليات الهامة : فما معنى تعلّمات المواد ؟ وما هو الفرق بينها والبيداغوجبا ؟ وماهي رهاناتها التربوية؟ مواد التنشئة الاجتماعية ضمن عائلة تعليمية المواد تعلّميات المواد : لا يتكوّن العلم كحقل للمعرفة من خلال خصوصية موضوعه فحسب بل كذلك من خلال طرافة طريقته في مساءلة ذلك الموضوع . فما هو موضوع تعلّمية المواد وكيف تساؤله ؟ بعد مرور ما يزيد عن ثلاثين سنة من البحث العلمي في ميادين مختلفة ومتنوعة من الناحية الإبستمولوجية مثل الرياضيات والبيولوجيا والتاريخ والجغرافيا والعلوم الفيزيائية ، أصبح من الصعب جذّا البحث عن تعريف موحّد يلمّ بقل التّعلّمية وبموضوعها ، إذ تضعنا الأدبيات أمام جملة من التّعاريف تسلّط أضواء مختلفة لفهم علم التعلّمية. -فعلى سبيل المثال يعرّف فرنيو (1985) تعلّميات المواد بكونها تدّرس تمشيّات توصيل وتملك المعارف الخاصّة بتلك المادة وتصف الصعوبات والعوائق وتحلّلها وتقترح على المدرّسين والتلاميذ والطلبة وسائل لتجاوزها حتّى تجعل من المعرفة المدرّسة معرفة حيّة وظائفية وعمليّة . أمّا استولفي فيعرّف التعلميّة كونها تشتغل في اتّجاهين : " من ناحية ، في أعلى التّأمّل (التفكير) البيداغوجي ، عندما تأخذ بعين الاعتبار محتويات التدريس كمواضيع دراسة وتفحّص الاشتغال الاجتماعي للمفاهيم . ومن ناحية أخرى في الأسفل وذلك بالتّعمّق في تحليل وضعيات القسم من أجل فهم اشتغالها وما يجري فيها من الدّاخل vويعني تعدد التّعاريف أنّه لا يمكن الحديث عن التّعلّمية إلاّ بصفة الجمع إذ ليس هناك تعلميّة واحدة بل هناك تعلّميّات،وضمن هذاالإطار تتنزل مشروعية اعتبار مواد التنشئة الاجتماعية مثل التاريخ و الجغرافيا والتربية الإسلامية والتربية المدنية ضمن عائلة تعلمية المواد مع مراعاة خصوصياتها باعتبارها مواد و أنشطة حاملة لقيم المجتمع واختياراته الثقافية والحضارية : تهدف التربية إلى تنشئة التلاميذ على الوفاء لتونس والولاء لها و على حب الوطن والاعتزاز به و ترسيخ الهوية الوطنية فيهم و تنمية الشعور لديهم بالانتماء الحضاري.... كما تهدف إلى غرس ما اجمع عليه التونسيون من قيم تنعقد على تثمين العلم و العمل والتضامن والتسامح والاعتدال وهي الضامنة لإرساء مجتمع متجذر في مقومات شخصيته الحضارية متفتح على الحداثة يستلهم المثل الإنسانية العليا و المبادئ الكونية في الحرية و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان الفصل 3 من القانون التوجيهي للتربية و التعليم المدرسي القانون عدد 80/ 2002 بتاريخ 23 جويلية 2002
|